بعد زواجي بأيامٍ قلائل؛ انتبهتُ لصوتٍ غريبٍ علىٰ مسامعي لم أعهده من قبل؛ كلما اقتربتُ من السُّفرة "طاولة الطّعام" !! في البدء؛ كان خفيضًا متقطّعًا؛ بَيْد أنه لا يتوقف ليلًا ولا نهارًا !!
أيامًا وأيامًا قضيتها أطوف المَرة تلو الأخرىٰ حول الطّاولة ومقاعدها السّتة وأرفع "فاز الورود".. باحثةً عن مكمنه، متسلحةً بمبيدٍ حشريّ لعلها تكون حشرة كالتي نعهدها -هكذا هُيّء لي- ومع شديد اهتمامي بتنظيف الطّاولة ومفرشها وحولها ومن فوقها ومن تحتها.. لكنّ تعبي ذهب هباءً واعتراني اليأس !!
ألوان "السّجادة" المفروشة أسفلها كانت متشابهة مع لون المقاعد.. فلم أنتبه لتساقط قليلٍ من "البودرة" فوقها؛ لا سيّما وأنّ "المكنسة الكهربائية" ومهارتها فائقة الدّقة لم تدع لي فرصة للانتباه.
وفي يومٍ مشمسٍ جميلٍ رفعت "السّجادة' علىٰ سور الشّرفة طيلة النّهار.. وبعد عدة ساعات لاحظت بيقين بعضًا من "البودرة" أسفل "مقعدٍ" بعينه.. لكنّي مع ذلك لم أفهم السّبب ، ونظفت المكان كالمعتاد.
ورغم علو وازدياد وتيرة وعمق الصّوت عن ذي قبل إلا أنّي لم أعِرِ الأمر كثير انتباه؛ حتىٰ فوجئت ذات مساءٍ بصوت ارتطام أفزعني، فلمّا أسرعت الخُطىٰ نحو مصدره وجدت "المقعد" قد هوىٰ أرضًا؛ لانهيار أحد قوائمه الأربعة؛ وقتها أدركت أنّ "السُّوس" كان ينخر في "الخشب" من الداخل حتىٰ أتىٰ عليه؛ وكان السّقوط مصيره المُحتّم.. ولم يدر بخلدي أبدًا أنّ حشرة حقيرة يمكنها أن تفتّ في عضد جسم قوي كمادة الخشب.. والحقيقة لم يكن لي سابق معرفة؛ بل كنت أجهل تمامًا أن الخشب "الجاف" ُعُرضةً للحشرات حد الانهيار !!
بعد تلقي الصّدمة -وأنا مازلتُ عروسًا- فشلنا كذلك في إصلاحه رغم استشارة ذوي الخبرة؛ وعتابنا لصاحب محل "الموبيليا" الذي غشّنا لم يُجدِ نفعًا.. فقد كان تاجرًا ولصًّا محترفا.. قاصدًا متعمّدًا.
- حوادث غريبة علىٰ مجتمعنا تحدث كل يوم.. وظواهر تفشّت لم نعهدها.. وسلوكيات تنحر أساساته.. كثير منها غير مفهوم -وبعضها مفهوم- كيف تم تعبيد الطّرق لحدوثها.. نبهنا كثيرًا إليها -وغيرُنا يفعل كذلك- حتىٰ بُحّت الأصوات أو ذهبت أدراج الرّياح.. وأخشىٰ ما أخشاه أن تكون كالسّوس ينخر من الدّاخل -دون أن ندري أو ربما ندري وهنا المصيبة أعظم- فلا يفلته حتىٰ ينهار المجتمع.. يوم لا ينفع النّدم.
--------------------------
بقلم: حورية عبيدة